الكورة دي مش موجودة.

كركاب سفينة توشك على الغرق يتساقطون من رأسي، أدفعهم، بلا كمان يعزف في الخلفية تبدو الصرخات المكتومة أكثر يأسا ووحدانية. تلك السقطة المكتومة فوق سطح الماء تشبه الكرة التي تتنطط في زاوية الغرفة، الكرة التي ليست موجودة هنا حقا. الكرة ترتطم فوق رأسي تماما وتدفعه لأسفل مرة بعد أخرى تدفعني رأسي لأسفل كطفل لقيط مد يده لكعكة ساخنة ثم عاقبوه لأنها اتسخت بالسخام عندما أعادوها من بين يده،  لماذا لم أتوقف لأمسح السخام عن يدي كلما زحفت خارجة من الجحيم والكرة ليست موجودة هنا حقا؟!. السخام يمنحني اللون اللازم لأعيد رسم الوجه الذي يطيل النظر للأرض بينما يعتذر عن تواجده لحظة انحراف القطار عن سكته، أو يعتذر عن تواجده أسفل الطائرة التي سقطت وعن دوره الذي لم يختره في الاسكتش الدارمي القصير. ويعتذر لأنه لا يجيد أي شيء آخر. 
لم يحبو لي حلم واحد يوما. امتلأ جسدي بقطع الخشب ونما الشعر تحت بشرتي كشوك التين. وتكورت طموحاتي كأقفال تحكم غلق الأبواب والنوافذ حتى نسيت كيف يكون الضوء. أنمو نحو أيامي كما يتعلم لبلاب المشي، صعودا نحو الطريق أحمل مطالبًا مستحيلة ولفافات من خطابات قديمة مات المرسلون إليهم.
  كل الذين أحببتهم لم يلحظوا ارتعاشات أصابعي في الكلام ولا ضحكتي المهزوزة،  ولا بحثي عن المستحيل الذي لن يطبق يديه حول وسطي كباقة شوك. لليوم لازلت أبحث عن الرجل المستحيل الذي لن يعود معي للبيت، لن يلاحظ المناديل في السلة أسفل الكومودينو، أقراص الدواء في الحوض، ورائحة القئ التي تنز من فرشاة الأسنان، والخوف الذي يخفي وجهه في زاوية الغرفة مرددًا أن الكرة ليست هنا، متمنيا ألا تبقى الكرة هنا عندما يرفع رأسه، أو أن يجد انعكاسه في المرآة  ولو على هيئة جذع شجرة لا يصلح حتى كعارضة مرمى في ساحة قديمة. والكرة ليست موجودة فعلًا.
رأسي يعج بهم أكثر مما أعج بي. أنا لست هنا، وعلي أن أسير إلى نهاية الخلق لأولد من جديد، وأنا لم أخلق بعد، أسير إلى الماضي الذي لا يخصني. أسير معهم جميعا في دوائر من الأولانزابين، أتدحرج، لأن جسدي لم ينبض نبضة واحدة تخصني فلا فرق بيني وبين الحجر، أتدحرج، وأحاول التشبث بعشبة واحدة أو حجر بارز بحثا عن تجربة واحدة تستحق الموت من أجلها. بس الكورة دي مش موجودة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لا شيء آخر في البال

لو أننا نلتقي/ حين نلتقي

والغسيل عمال بينقط